27‏/12‏/2008

اغتيــــــــــــال دمعــــــــــة


اغتيال دمعة ..
قصـــــــــــــــــــة قصيرة
هيثم المسلمي

تلمست طريقها في عتمة الليل..
تبدو في غاية الذعر والهلع وبين لحظة وأخرى تنظر خلفها
بخوف يحمل رعب الدنيا كلها..
تحمل في يدها ورقة صغيرة متسخة لفت بشريط أحمر صغير..
تواصل مشيها المتعثر المرتبك في شوارع الزقاق المظلم..
تسمع خطوات من بعيد تلاحقها بإصرار عنيد..
تلتفت للخلف فيشحب وجهها ويصبح في لون الثلج..
تطلق صرخة مكتومة وتواصل الهرولة اليائسة بإصرار أشد..
يتعالى وقع الخطوات أكثر فأكثر..
كان القمر مختبئا بصمت خلف السحب القاتمة وكأنما يخشى من مشاهدة مشهد فظيع بعد قليل..
وكانت الكلاب تبح بشكل فوضوي مريع يزيد الجو قتامة واكتئابا..
تقترب الخطوات أكثر وأكثر ..
بينما تجاهد هي للفرار وتحمل الجراح التي تملؤ قدميها الغضتين..
تنعطف إلى إحدى الزوايا لتجد متشردا منحوسا يبحث عن مايأكله..
تستنجد به فيرمقها بنظرات خاوية لبرهة ثم يواصل عمله الروتيني ببرود..
تدرك أن لافائدة ترجى من الاستغاثة به فتواصل هرولتها المتخبطة..
أصبحت الخطوات قرية بشكل مرعب..
هنالك قوة رهيبة تدفعها للبكاء وذرف الدموع ولكنها تعلم أن هذا مالا ينبغي أن يحدث,
فهذه الدمعة بالذات لاينبغي أن تسقط من عينيها السوداوين...
وبينما هي شاردة في عالم من الخوف ومصارعة مشاعرها الكامنة إذا بها تتلقى ضربة على رأسها الصغير فتسقط أرضا بلا حراك وهي تتأوه في ألم..
يجثو صاحب الخطوات بالقرب من رأسها ويهمس لها ببضع كلمات وكأنه يطلب منها القيام بشيء ما فتهز رأسها بصعوبة معلنة عدم الموافقة..
تحاول هي النهوض لكن بلا جدوى ومرارة اليأس والخوف يطلان من عينيها الجميلتين..


يأخذ منها اللفافة البيضاء المتسخة ويفك الشريط الأحمر ليقرا العبارة التالية بخفوت:" هذه الورقة تخول حاملها بالاحتفاظ بأخر دمعة لديه, يرجى على من يعثر عليها أن يعيدها لصاحبها باقصى سرعة ممكنة"..
يتنهد الرجل وهو يرمق الفتاة بشفقة يجري اتصالا عبر هاتفه الخليوي قائلا:" انها ترفض البكاء". يصمت قليلا وهو يستمع إلى محدثه وكأنما يتلقى أمرا ما ثم أجاب بهدوء:" لقد فهمت. إلى اللقاء"..
يبتسم ابتسامة حزينة ويرمقها بتعاطف وشفقة ثم يخرج سكينا صغيرا من جيب معطفه الأسود..
ينتفض جسدها الصغير بقوة وهي تنظر إلى السكين
وبلا أدنى تردد تمر السكينة مرة واحدة وبسرعة على الرقبة الدافئة لتسيل الدماء على الأرض..
تصمت الكلاب عن النباح..
وبكل مهارة واحتراف يقوم الرجل بفقء العيون التي خبأت من بريق الحياة ثم يضعها في كيس جلدي صغير وينهض بهدوء..
يرمق الجسد المسجى على الأرض للمرة الأخيرة..
يطلق زفرة ملتهبة ويدس الورقة في جيب معطفه .. ثم يتوارى عن الأنظار..



ليست هناك تعليقات: